کد مطلب:239622 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:141

لابد من العودة الی سنة معاویة
انه رغم فشل المأمون فی قضیة حمام سرخس، لم ییأس، و لم یهن فی الوصول الی ما كان یطمح الی الوصول الیه ؛ فاستمر یعمل الحیلة و یدبر المكیدة للامام (ع) .

و كان علیه : أن لا یعرض نفسه للخطأ الذی وقع فیه فی قضیة الفضل ؛ حیث أعلن القتلة فی وجهه بأنه هو الذی أمرهم بقتله ؛ مما كان سببا فی ثورة الجند علیه، و تعرض لخطر عظیم جدا، لو لم یلتجی ء الی الامام، الذی أنقذ موقفه، و فرق الناس عنه، كما تقدم ..

و لم یر وسیلة أسهل و أسلم من تلك التی سنها سلفه معاویة، الذی



[ صفحه 394]



قدمنا فی فصل : آمال المأمون و آلامه : أن المأمون قد ارتضی سیرته، ورد سیرة أبی بكر و عمر و علی و هذه الوسیلة هی : «السم» ..

و دس الیه السم فی العنب، أو فی ماء الرمان، و مضی الامام (ع) شهیدا، صابرا محتسبا .. و هذه هی نفس الطریقة التی تخلص بواسطتها، من قبل : من محمد بن محمد ، صاحب أبی السرایا، و لا نستبعد أنه قد دبر مثل ذلك فی محمد بن جعفر، الذی مات هو الآخر - كالرضا (ع) و الفضل بن سهل - فی طریق بغداد [1] .

كما و یلاحظ : أنه لما مات محمد بن جعفر نادی منادی المأمون : «ألا لا تسیئن الظن بامیرالمؤمنین ؛ فان محمد بن جعفر جمع بین أشیاء فی یوم واحد . و كان سبب موته أنه جامع واقتصد، و دخل الحمام فمات » [2] .

و هكذا .. مات اللذان تكرههما بغداد، فی نفس طریق بغداد .. و لم یعد هناك ما یعكر صفو العلاقات بینه، و بین بنی أبیه العباسیین و أشیاعهم، و أصبح باستطاعته ان یكتب الیهم :

« .. ان الأشیاء التی كانوا ینقمونها علیه قد زالت، و أنهم ما نقموا علیه الا بیعته لعلی بن موسی الرضا (ع)، و قد مات ؛ فارجعوا الی السمع و الطاعة ، و انه یجعل ولایة العهد فی ولد العباس .. » [3] .



[ صفحه 395]



فرجعوا الیه، و انقادوا له، و لكن بعد التخلص ممن كان یكره و یكرهون، و یخاف و یخافون ..

رجع الی بغداد، فأطاعته، و انقادت له ؛ لأنه قضی علی من كانت تخافهم، و تخشاهم، و حقق لها ما كانت ترجوه، و تصبو الیه، و غفرت له قتله أخاه، و نسیته حتی كأنه أمر لم یكن !! .. بل لقد أصبحت تری أنه أفضل من أخیه الأمین ؛ لأنه استطاع أن یثبت أقدام بنی أبیه فی الحكم و السلطان الی ما شاء الله ..

رجع الی بغداد، الی بنی أبیه، لأن رجوعه الیهم كان ضروریا ؛ من أجل أن یرجع الیهم اعتبارهم من جهة .. و لأنهم هو الدرع الواقی له، و الحصن الحصین من جهة أخری .. هذا بالاضافة الی أن خلافة لا تكون بغداد مقرا لها لیست فی الحقیقة بخلافة .. الی غیر ذلك من أمور و اعتبارات .


[1] و لعل ابن قتيبة يشير الي هذا في معارفه طبع سنة 1300 ص 133 حيث يقول : « و ظفر بمحمد بن جعفر، فحمله الي المأمون مع عدة من أهل بيته، فلم يرجع منهم أحد .. » !! . و لكننا نراه مع ذلك، عندما يؤتي بجنازة محمد بن جعفر قد نزل بين العمودين، و حمله ! و قال : هذه رحم مجفوة منذ مأتي سنة، و صلي عليه و قضي دينه !!! .. بل اننا لا نستبعد أن يكون هو المدبر لشائعة غلبة السوداء علي الحسن بن سهل أخي الفضل . و هكذا .. فيكون قد قضي علي كل أولئك الذين تكرههم بغداد و تخشاهم، و تخلص منهم واحدا بعد الآخر.

[2] تاريخ جرجان ص 404.

[3] راجع في ذلك : الطبري ج 11 ص 1030، و البداية و النهاية ج 10 ص 249، و تاريخ الخلفاء ص 307، و ابن الأثير ج 5 ص 193، و الفخري في الآداب السلطانية ص 218، و تاريخ أبي الفداء ج 2 ص 24، و تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 250، و النجوم الزاهرة ج 2 ص 173، و تجارب الامم ج 6 ص 444 . و غير ذلك.